فراس الشوفي
الثلاثاء 1 تموز 2025
تجد باكستان الهجوم الإسرائيلي على إيران بمثابة جرس إنذار أخير، حول خطورة التمدّد الإسرائيلي في الشرق الأوسط وآسيا (أ ف ب)
حرّكت الحرب الإسرائيلية ـ الأميركية على إيران، هواجس كبيرة لدى باكستان، الدولة النووية التي تتحضّر لصراع إستراتيجي مع الهند، حليفة إسرائيل الأبرز في آسيا. كما أعاد العدوان الحرارة إلى العلاقات الإيرانية ـ الباكستانية، بعد أن سادها التوتر والحذر في المرحلة الماضية.
منذ نشأتها، لم تكن باكستان بعيدةً عن المواجهة السياسية والعسكرية مع إسرائيل في محطات عدة من الصراع العربي ـ الإسرائيلي (لا سيّما المشاركة البارزة في حرب أكتوبر 1973 على الجبهة السورية)، وذلك انطلاقاً من مُركّب جيوبوليتيكي ـ تاريخي ـ ديني يطبع هوية باكستان الحالية.
إسرائيل، بدورها، لم تشخّص باكستان يوماً، إلّا بصفتها عدوّاً بعيداً/قريباً، وجب وضع الخطط للتعامل معه على محمل الجدّ، خصوصاً بعد حيازته القنبلة النووية. وما حديث بنيامين نتنياهو في مقابلة شهيرة قديمة، عن نية إسرائيل الهجوم على باكستان بعد إيران، سوى إضاءة في سياق.
ورغم المحاولات الأميركية الجادّة لإنشاء علاقات بين باكستان وإسرائيل، والتي ازدادت في السنوات الأخيرة بفعل تحوّل الموقف العربي الرسمي وتوقيع «اتفاقيات آبراهام»، لم تتمكّن الأصوات الداعية إلى التطبيع في داخل باكستان، من إحداث تحوّل يُذكر في المشهد، الذي تعبّر غالبية كتله السياسية والشعبية عن عداء واضح لإسرائيل، وتمسّك بالقضية الفلسطينية كعنوان إسلامي جامع.
وبينما تتوتّر العلاقات الباكستانية ـ الهندية التي وصلت إلى الاشتباك الجوي بداية أيار الماضي (راجع: الأخبار، الخميس 22 أيار 2025/ الهند - باكستان: في انتظار جولة جديدة من حروب الإخوة)، تتعمّق العلاقة الهندية ـ الإسرائيلية، وتظهر الهند كحليف رئيس للغرب، وحليف دفاعي وأمني لإسرائيل في جنوب آسيا.
حتى أنه في حوزة باكستان، معلومات عن مشاركة مباشرة من خبراء إسرائيليين في مساعدة القوات المسلحة الهندية لشنّ هجومها الأخير ضد إسلام أباد، بعد أن تأكّدت الأخيرة من استخدام نيودلهي أسراباً من المسيرات الإسرائيلية (هاروب) في عملياتها ضد الجيش الباكستاني ومواقع مدنية أخرى.
من هذا الموقع، تجد باكستان الهجوم الإسرائيلي على إيران بمثابة جرس إنذار أخير، حول خطورة التمدّد الإسرائيلي في الشرق الأوسط وآسيا على الأمن القومي الباكستاني والإسلامي، مع غياب النوايا العربية لمواجهة هذا التوسّع. ويقرأ الباكستانيون في الهجوم الإسرائيلي على طهران، جرأة غير مسبوقة على شنّ عدوان جوي منفرد ضد دولة مسلمة بحجم إيران بدعم من الأميركيين، قبل أن ينضم الأخيرون إلى الهجوم بشكل مباشر، من دون أي مراعاة للتوازنات الدولية أو اللجوء إلى غطاء أممي أو دولي. كذلك، تُقلق الباكستانيين مساعي إسقاط النظام الإيراني، والتي لا يخفيها الإسرائيليون، ولو كان هذا الأمر لا يزال يثير مخاوف الأميركيين.
سيناريو انهيار النظام في إيران أو اهتزازه، يشكل كابوساً لباكستان
يعني ما تقدّم، بالنسبة إلى باكستان، أنه بات في إمكان إسرائيل مهاجمة وإسقاط أي نظام عربي أو إسلامي من دون أي رادع، وأن إسلام آباد لن تكون استثناءً، وهي التي كسرت «حرماً» على الحصول على سلاح نووي وباتت تتمايز إلى حد كبير عن السياسية الأميركية في آسيا. وإذ حافظ الباكستانيون الذين يجيدون اللعب الدقيق على التوازنات الجيوسياسية، على علاقات جيّدة نسبياً مع القوى الغربية وتحديداً مع الولايات المتحدة وبريطانيا، فإنّ ذلك لن يكون كافياً مستقبلاً، خصوصاً مع الدعم الغربي اللامحدود لإسرائيل، والحسابات الغربية القديمة المبيّتة مع باكستان، والتي باتت اليوم أقسى مع التقارب الباكستاني ـ الصيني الكبير والخطط الأميركية لمواجهة الصينيين.
ولم يكن الهجوم الإسرائيلي والأميركي لإيران مفاجئاً بالنسبة إلى الباكستانيين، الذين رصدوا الحركة العسكرية والسياسية الإسرائيلية قبل الهجوم بكثيرٍ من القلق، وشاركوا الإيرانيين هذه الهواجس. لكن المفاجئ بالنسبة إلى إسلام آباد، هو تمكّن الإسرائيليين من القيام بالضربة الأولى الصادمة لطهران، واغتيالهم شخصيات بارزة في القيادة الإيرانية كان من المفترض أن تتّخذ إجراءات أمنية أوسع وأشمل، تحضيراً للضربة المنتظرة.
لكن الباكستانيين تابعوا أيضاً سرعة «إعادة التشكيل» الإيرانية، واستجماع القوّة لـ«الردّ بشجاعة»، وفق ما عبّر عنه وزير الدفاع الباكستاني. كما تابعوا التماسك الداخلي الذي أظهره الإيرانيون والضربات التي شنّوها في أعماق إسرائيل وتل أبيب. والجدير ذكره، هنا، أنّ التقييم الباكستاني للمعركة الأخيرة مع الهند، ربط بشكل أساسي تفوّق إسلام آباد في تلك المواجهة بالتحرك السريع الذي قام به الباكستانيون لامتصاص الضربات وعرقلتها، قبل تحرك المقاتلات الهندية، فضلاً عن التحضيرات العسكرية التي أعدّوها جيداً للمعركة.
ومما لا شكّ فيه، أنّ سيناريو انهيار النظام في إيران أو اهتزازه، يشكل كابوساً لباكستان، التي تحتفظ بحدود طويلة ومعقّدة مع إيران، وتداخل اجتماعي وديني كبير بين الشعبين، مع وجود ملايين من المواطنين الباكستانيين الشيعة الذين يؤيّدون «ولاية الفقيه» في طهران.
ويعني السعي الإسرائيلي لإضعاف النظام وإسقاطه، بالنسبة إلى باكستان، حصول فوضى كبيرة على حدودها الغربية وحضور خطر تقسيم إيران، بما يشجّع الجماعات القبلية والإثنية في المناطق المشتركة، لا سيما في مناطق بلوشتسان الباكستانية والإيرانية، على التحرّك والبحث عن الانفصال، فضلاً عن تحريك النشاط الإرهابي على نطاق واسع، في ظل وجود نشاط لحركات إرهابية تقول إسلام آباد إنها تحصل على دعم من الاستخبارات الهندية لشنّ هجمات في داخل باكستان والسيطرة على مناطق فيها.
وبينما لم تخفِ الصحافة الباكستانية امتعاضها من الموقف الإيراني خلال الاشتباك الهندي ـ الباكستاني، مع اعتبار محلّلين أنّ «إيران كان من المفترض أن تنحاز بالكامل إلى الموقف الباكستاني لا أن تحاول تأدية دور الوسيط»، يشعر الباكستانيون بأنّ الموقف الهندي المنحاز إلى إسرائيل أثناء هجوم الأخيرة على إيران، عزّز العلاقة الباكستانية ـ الإيرانية، خصوصاً أنّ الهند بالنسبة إليهم كانت تحاول الإطباق على بلادهم من الشرق والغرب عبر الحفاظ على علاقات متينة مع إيران، لكنها في النهاية اختارت الاصطفاف إلى جانب إسرائيل.